إخواني الكرام : السلام عليكم ......وعلى سيد الخلق محمد...كل سلام:
هذه وصايا سيدنا عليه منا كل تحية وسلام قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى :
وداعه ووصيته لأمته في عرفات:
قال جابر رضي الله عنه: حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: ”إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع( ) ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله( ) فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله( ) ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم( ) أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح( ) ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله( ), وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون“؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت, ونصحت. فقال بإصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ”اللهم اشهد، اللهم اشهد“ ثلاث مرات( ). وقد كان في الموقف جمٌّ غفير لا يُحصي عددها إلا الله تعالى( ).
وأُنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم عرفة يوم الجمعة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}( ) وهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غير نبيهم صلّى الله عليه وسلّم؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء, وبعثه إلى الجن والإنس فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه, وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق, لا كذب فيه ولا خلف, {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً}( ) أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي, فلما أكمل الله لهم الدين تمت عليهم النعمة( ).
وقد ذُكر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا, فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص( ), وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي صلّى الله عليه وسلّم قريباً. ـ وداعه ووصيته لأمنه عند الجمرات:
قال جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ”لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه“( ).
وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة... فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولاً كثيراً ثم سمعته يقول: ”إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا“( ).
وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسان بحطامه – أو بزمامه – وخطب الناس فقال: ”أتدرون أيُّ يوم هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه, فقال: ”أليس بيوم النحر“؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ”فأي شهر هذا“؟ قلنا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه, فقال: ”أليس بذي الحجة“؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: ”فأي بلد هذا“؟ قلنا الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ”أليست البلدة الحرام“؟ قلنا: بلى يا رسول الله , قال: ”فإن دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم, فلا ترجعوا بعدي كفاراً [أو ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض, ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع] ألا هل بلَّغت [ثم انكفأ( ) إلى كبشين أملحين فذبحهما..“( ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب( ).
وسكوته صلّى الله عليه وسلّم بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة كان لاستحضار فهومهم, وليقبلوا عليه بكليتهم, وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه( ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات... وقال: ”هذا يوم الحج الأكبر“ وطَفِق( ) النبي يقول: ”اللهم اشهد“ وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع"( ).
وقد فتح الله أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر, هذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها حتى سمعها القاضي الداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم( ).فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن بمنى فَفُتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا.."( ).
وصيته صلّى الله عليه وسلّم لأمته في أوسط أيام التشريق:
وخطب صلّى الله عليه وسلّم الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو ثاني أيام التشريق ويقال له: يوم الرؤوس؛ لأن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لأكلهم رؤوس الأضاحي فيه, وهو أوسط أيام التشريق( ), فعن أبي نجيح عن رجلين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم, وهما من بني بكر, قالا: رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب بين أوسط أيام التشريق, ونحن عند راحلته, وهي خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي خطب( ) بمنى( ), وعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم وسْطَ أيام التشريق فقال: ”يا أيها الناس إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر على أحمر إلا بالتقوى, أبلغت“؟ قالوا: بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال: ”أي يوم هذا“؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: ”أيُّ شهر هذا“؟ قالوا: شهر حرام. ثم قال: ”أي بلد هذا“؟ قالوا: بلد حرام. قال: ”فإن الله قد حرَّم بينكم دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا، أبلغت“؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ”ليبلغ الشاهد الغائب“( ).
اللهم إنا سمعنا وأطعنا.......ألاهل بلغت.........اللهم فاشهد.........والسلام عليكم